الجمعية التأسيسية الوطنية الليبية ـ طرابلس الغرب
الجلسة العاشرة يوم 12 فبراير 1951
عقدت الجمعية التأسيسية الوطنية الليبية جلستها العاشرة وكانت علنية عند الساعة العاشرة والدقيقة السادسة عشر من صباح يوم الاثنين السادس من جمادى الأولى سنة ألف وثلاثمائة وسبعين هجرية الموافق للثاني عشر من فبراير سنة ألف وتسعمائة وواحد وخمسين ميلادية وذلك بمقر الجمعية بقصر الحاكم العام سابقاً. وكانت الجلسة برئاسة سماحة الأستاذ محمد أبو الإسعاد العالم رئيس الجمعية الدائم. تغيب عنها كل من الأعضاء المحترمين أبوبكر نعامة. عبدالجواد الفريطيس. عمر شنيب. المبروك بن علي. محمد بن عثمان. يحي بن مسعود بن عيسى.
وكان جدول الأعمال المؤقت كالآتي:
1 ـ الموافقة على جدول الأعمال.
2 ـ بيان عن رحلة وفد الجمعية إلى القاهرة والأعمال التي قام بها.
وبعد أن قرأ السكرتير سليمان الجربي الجدول المقترح أعلن الرئيس عن ترشيح عضو فزاني جديد هو السيد خليل بن محمد الشاعر ليحل محل العضو المحترم محمد بن عثمان الذي استقال من عضوية الجمعية. ثم قرأ السكرتير سليمان الجربي رسالة بخصوص هذا الترشيح وردت من سعادة أحمد بك سيف النصر ودرج في بند آخر في جدول الأعمال حول النظر في الموافقة على تعيين السيد خليل بن محمد الشاعر عضواً بالجمعية.
وطلب سماحة الرئيس رأي الأعضاء حول من يختار نائباً له عن وفد فزان نظراً لاستقالة نائب الرئيس السابق السيد محمد بن عثمان فاقترح العضو المحترم عبدالعزيز الزقلعي إضافة بند بهذا الخصوص في جدول الأعمال وأيده في ذلك سائر الأعضاء.
وهنا قرأ السكرتير سليمان الجربي جدول الأعمال المعدل وكان كما يلي:
1) الموافقة على جدول الأعمال.
2) الموافقة على ترشيح السيد خليل بن محمد الشاعر عضواً بالجمعية.
3) انتخاب نائب الرئيس عن وفد فزان.
4) بيان عن رحلة وفد الجمعية إلى القاهرة والأعمال التي قام بها.
فوافق الأعضاء بالإجماع عليه.
وعند الشروع في البند الثاني من الجدول رأى العضو المحترم المنير برشان أن مسألة تعيين العضو الجديد أمر مفروغ منه فلا يحتاج إلى بحث. ولاحظ العضو المحترم خليل القلال أن الرسالة الواردة إلى الجمعية بخصوص الترشيح لا تحمل مهر حاكم تراب فزان سعادة أحمد بك سيف النصر. واستفسر العضو المحترم أحمد الصاري عما إذا كانت الرسائل الواردة سابقاً من أحمد بك سيف النصر ممهورة أم لا. وهنا شرح السكرتير سليمان الجربي أن الرسالة الحاضرة ما هي إلا صورة مرسوم صادر عن رئيس تراب فزان أحمد بك سيف النصر وأنها نسخة طبق الأصل موقع عليها من قبل حمودة بن الطاهر مستشار الأمور الداخلية ـ وأيد العضو المحترم محمود المنتصر رسمية الرسالة. وانتهى النقاش بالموافقة على تعيين العضو الجديد السيد خليل بن محمد الشاعر.
وانتقل البحث إلى البند الثالث من جدول الأعمال فرأى سماحة الرئيس أن مسألة ترشيح نائب له عن وفد فزان هي من اختصاص الأعضاء الفزانيين وغادي الأعضاء الفزانيون القاعة للنظر في الأمر ثم عادوا بعد قليل معلنين أنهم اتفقوا على ترشيح العضو المحترم أبوبكر أحمد نائباً للرئيس فوافق على ذلك سائر الأعضاء.
وطبقاً لما ورد في البند الرابع والأخير من جدول الأعمال تلا السكرتير سليمان الجربي بيان وفد الجمعية عن أعماله في القاهرة (وهو المرفق بهذا المحضر) ـ كما تلا السكرتير تقريراً مفصلاً أصدره الوفد ووزعت منه نسخ على الأعضاء المحترمين.
ثم استفسر العضو المحترم المبروك الجيباني عن فقرة وردت في الصفحة التاسعة من التقرير تقول " الجمعية التأسيسية الليبية متجهة إلى إقامة نظام اتحادي هو أقرب إلى الوحدة منه إلى الاتحاد وذلك بتكوين حكومة مركزية تتركز فيها وزارات الخارجية والمالية والدفاع والمواصلات والمعارف والنقد وشئون القضاء وإقامة إدارات محلية في كل من برقة وطرابلس وفزان يكون لكل منها هيئة تشريعية وهيئة إدارية محلية تنظر في أمور محلية محضة حسب الاختصاصات التي سيضعها الدستور بينما سيكون هناك برلمان مركزي يتكون من مجلسين أحدهما نيابي يمثل سكان البلاد على أساس عددهم والآخر للشيوخ يمثل الأقاليم الثلاثة على قدم المساواة أسوة بالبرلمانات الديموقراطية المتبعة في الدول الاتحادية القائمة الآن ". وأعرب عن اعتقاده بأن هذه مسألة لم تتخذ الجمعية فيها قراراً. فرد عليه سماحة الرئيس موضحاً أن المذكرة لم يذكر فيها اتخاذ قرار بل إنه اتجاه وحسب.
وتساءل العضو المحترم أحمد الصاري عما إذا كانت المذكرة قد وزعت للاطلاع أم لمناقشتها أيضاً؟ ولاحظ العضو المحترم المبروك الجيباني أنه إنما قصد الاستفسار فقط لا المناقشة. وعقب على قوله العضو المحترم خليل القلال شارحاً أنه لا مانع من الاستفسار وأن الوفد قد أوضح وأفهم أن مهمته هي شرح القضية والقرارات الأساسية التي اتخذتها الجمعية وبين كذلك أن الجمعية متجهة هذا الاتجاه. ثم قال العضو المحترم نفسه أن ما سأل عنه العضو المحترم المبروك الجبياني إنما كان اتجاهاً وحسب وأن إقرار هذا الاتجاه أو عدمه يتوقف نهائياً على ما تسفر عنه المناقشة في لجنة الدستور وما يقرر في الجمعية.
ثم نهض العضو المحترم سالم الأطرش وبعد أن شكر سماحة الرئيس وأعضاء الوفد أعرب عن رأيه بأن ما يلاحظ من لهجة المذكرة المقدمة إلى اللجنة السياسية للجامعة العربية هو تنصل من المسؤولية تجاه إخواننا العرب. ومن ذلك أن الوفد تسرع في ذكر نقطة لم يأت وقتها بعد. ثم أشار العضو المحترم إلى هذه النقطة راجياً تفسيرها وهي الواردة في الصفحة التاسعة من تقرير الوفد والمتعلقة بالمجلس النيابي (وقد ذكرت في الفقرة 9 أعلاه). ثم رجا العضو المحترم أن يبين له أحد أعضاء الوفد سبب اتجاه الجمعية هذا الاتجاه. فأجابه سماحة الرئيس موضحاً بأنه لم يتبين من المذكرة أن هذا صار عملاً مقطوعاً به بل قيل هناك أن الأفكار متجهة هذا الاتجاه وأما مسألة الموافقة على هذا الاتجاه أو عدمها فشيء آخر والأمر أخيراً منوط بالجمعية.
وسأل العضو المحترم عبدالعزيز الزقلعي عن سبب تمثيل أحد الأقاليم في الوفد أكثر من تمثيل الإقليمين الآخرين. فرد عليه سماحة الرئيس بأنه رأى بأن يضم إلى عضوية الوفد العضو المحترم خليل القلال لميزاته الخاصة وأن سماحته ألح عليه بأن يكون معه فلبى الطلب واستدل سماحة الرئيس على ذلك بأن العضو المحترم خليل القلال قد أفاد حتى أن دولة ناظم القدسي رئيس وزراء سوريا بين نقطة من جداول دار بليك سكسيس فأقنعه العضو المحترم المذكور وذلك لأنه كان حاضراً في ليك سكسيس أثناء مناقشة القضية الليبية فاستوعب تفاصيلها. وقال العضو المحترم عبدالعزيز الزقلعي بأنه إذا ضم إلى الوفد عضو طرابلسي آخر لأنتج نفس ما أنتجه خليل بك ورجا بأن لا يتكرر ذلك. وعقب العضو المحترم خليل القلال قائلاً بأنه مما يدل على أن سماحة الرئيس هو الذي رأى انضمامه إلى الوفد هو أن الإجراءات الخاصة بإعداد جوازات السفر (الباسبورتات) لم تتخذ له في بادئ الأمر. كما بين كيف أنه اعتذر عن عدم رغبته في مرافقة الوفد وكيف ألح عليه سماحة الرئيس وأنه ما رافق الوفد إلا نزولاً عن رغبة الرئيس. فأوضح العضو المحترم عبدالعزيز الزقلعي أنه لم يقصد بسابق كلامه أمراً ذا صفة شخصية ولكن رأى أن يصحب الوفد عضو آخر من الطرابلسيين، وهنا أعرب العضو المحترم خليل القلال عن استغرابه من أقوال العضو المحترم عبدالعزيز الزقلعي ـ وهو المتمسك بالوحدة ـ إذ يفهم منه أن هناك فرقاً بين البرقاوي والطرابلسي والفزاني. فقال العضو المحترم عبدالعزيز الزقلعي بأنه كان يجب أن يرافق الوفد شخص من المعارضين لفكرة الاتحاد أما الذين رافقوه فمن مؤيدي الفيدرالية فقط. وقال العضو المحترم خليل القلال إن المعارضين مثلوا أصدق تمثيل في مصر لأن أمين الجامعة أراد تمثيل المعارضة. فعندما اطلعت اللجنة السياسية على بيان الوفد أراد عزام أن يقنعها بوجود معارضة فقد كلا من الطاهر الزاوي وعمر الغويلي ومحمد توفيق المبروك للإدلاء بآرائهم، وإذا كان هناك أي طعن في التقرير فيجب عدم استقامة ما قام به الوفد. وهنا عبر العضو المحترم عبدالعزيز الزقلعي على احتجاجه على مساواته بالمعارضة الموجودة في مصر حيث هو لا يحمل جنسية أجنبية كأولئك الأشخاص وأنه يمثل رأي الشعب وأنه يؤيد ملكية السيد محمد إدريس السنوسي. ثم رجا من العضو المحترم خليل القلال سحب مساواته بأولئك الأشخاص وبين أنه يخالف رأي الجمعية في نوع الحكم فقط. فنفى العضو المحترم خليل القلال أنه قصد مثل ذلك من أقواله.
ثم استفسر العضو المحترم عبدالعزيز الزقلعي عن سبب عدم عرض الدستور الذي تقره الجمعية على أي هيئة منتخبة كما ورد في تقرير الوفد وأضاف بأن التقرير لا يعبر في هذه النقطة إلا عن جهة واحدة فقط، فما يفهم منه أنه لا يمكن أن تكون وحدة مادام في طرابلس إيطاليون. فأوضح له العضو المحترم خليل القلال أن الجمعية متفقة على أن ما تقره يجب أن يكون دستوراً لا مشروع دستور وإذا ما تقرر عرض الدستور الذي تضعه الجمعية على هيئة أخرى لها الحق في نقضه أو تعديله فإن جميع أعمال الجمعية لا فائدة فيها. ومن هذا يتبين أنه لا يمكن عرض الدستور على هيئة أخرى اللهم إلا بقصد إقراره فقط. وقال العضو المحترم عبدالعزيز الزقلعي بأن حجة المساواة لا يمكن الاستدلال بها دائماً وإنما نظام المساواة هو عند التأسيس فقط.
ووجه العضو المحترم المنير برشان سؤالاً إلى سماحة الرئيس عما إذا كان من الجائز مناقشة التقرير فرد سماحته بأن الجمعية كلفت الوفد بالقيام بعمل وبعد أن قام الوفد به أطلع الجمعية على أعماله.
واقترح العضو المحترم أحمد الصاري إدراج مناقشة التقرير في جدول أعمال الجلسة المقبلة. فأكد سماحة الرئيس قوله بأن التقرير وزع للإعلام فقط وليس للمناقشة. فلاحظ العضو المحترم أحمد الصاري أنه إذا كان الأمر كذلك فيجب ألا يسمح لحضرات الأعضاء بمناقشته قبل ذلك. ثم اقترح العضو المحترم عبدالمجيد كعبار إلغاء ما دار من المناقشة حتى الآن من محضر الجلسة في حالة ما إذا لم يعرض التقرير للمناقشة. ولكن العضو المحترم عبدالعزيز الزقلعي عارض هذا الاقتراح بشدة. ثم قام العضو المحترم أحمد عون سوف وقال جرت العادة أن يعرض أي وفد أعماله على هيئته ولها أن تناقشها فإما أن توافق عليها أو ترفضها. وعاد العضو المحترم أحمد الصاري إلى اقتراحه بإدراج مناقشة تقرير الوفد في جدول أعمال الجلسة المقبلة. فعارضه العضو المحترم إبراهيم بن شعبان مستدلاً بأن ما يطلب مناقشته هو أمر مفروغ منه. ثم قام العضو المحترم علي تامر وبعد أن شكر سماحة الرئيس والوفد على أعمالهم في القاهرة أعرب عن رأيه بأن لا فائدة من مناقشة التقرير المقدم إذ هو وجهة نظر فقط وإن مهمة الجمعية هي مناقشة الدستور لا وجهة نظر كهذه. ورأى سماحة الرئيس التصويت عما إذا كان التقرير سيناقش أم لا. فاعترض عليه العضو المحترم عبدالعزيز الزقلعي قائلاً أنه لابد من إقرار نتيجة عمل الوفد ولا يرى حاجة إلى التصويت في هذا الخصوص. فأوضح سماحة الرئيس بأن الجمعية لم تعط الوفد تعليمات خاصة للسير عليها وإنما أوكلت الأمر لما يراه الوفد. ولكن العضو المحترم عبدالعزيز الزقلعي عاد إلى إصراره على وجوب إقرار أعمال الوفد. ورأى العضو المحترم حسين غرور بأن المذكرة التي قدمها الوفد إلى الجامعة كانت مجرد وجهة نظر وأنه لا يرى حاجة لمناقشتها. وعاد العضو المحترم أحمد عون سوف فأكد رأيه بوجوب مناقشة تقرير الوفد حسبما يجري في جميع أنحاء العالم كما عاد العضو المحترم علي تامر وأكد رأيه بأن الوفد قد تقرر إرساله بإجماع آراء الجمعية ولذلك فلا يمكن مناقشة وجهة النظر التي أبداها سيما وأنه لم يذهب مزوداً بآراء معينة من الجمعية فالمناقشة يجب أن لا تدور إلا حول الدستور. فلاحظ العضو المحترم أحمد عون سوف بأن الوفد مقيد بوجهة نظره وكذلك الجمعية. وعارضه في هذا العضو المحترم إبراهيم بن شعبان.
وقام العضو المحترم المبروك الجيباني وتقدم باقتراح قال: إن القصد منه هو فض المناقشة وهو الآتي:
"الجمعية التأسيسية تتقدم بشكرها للوفد على الأعمال المجيدة التي قام بها وتقر تقريره عن رحلته إلى مصر باستثناء التفاصيل الدستورية التي وردت في التقرير ولم يصدر فيها قرار بعد من الجمعية".
فاعترض العضو المحترم عبدالعزيز الزقلعي مرة أخرى بأنه لا يرى إقرار شيء قبل مناقشته. ولكن العضو المحترم المبروك الجبياني طالب بطرح اقتراحه للتصويت. وبعد نقاش قصير حول هذه النقطة أعلن سماحة الرئيس طرح اقتراح العضو المحترم المبروك الجيباني الآنف الذكر للتصويت. فجرا التصويت عليه مناداة بالاسم وكانت النتيجة أربعة وأربعين صوتاً في جانب الاقتراح وثلاثة أصوات ضده وامتنع سبعة أعضاء عن التصويت.
واقترح سماحة الرئيس رفع الجلسة على أن تستأنف في الساعة العاشرة من يوم الخميس القادم الخامس عشر من فبراير الحالي. فوافق سائر الأعضاء وفضت الجلسة حوالي الساعة الثانية عشر والنصف.
مرفق بمحضر الجلسة العاشرة 12/2/1951
حضرات أعضاء الجمعية التأسيسية الموقرين:
يتشرف وفد جمعيتكم المحترمة الذي زار القاهرة أخيراً أن يتقدم إلى حضراتكم بتقريره التالي على نشاطه الذي بذله لدى وفود الدول العربية ولدى الحكومة المصرية حول القضية الليبية.
بناء على قرار الجمعية المتخذ يوم 17 يناير 1951 قد سافر الوفد إلى القاهرة يوم 22/1/1951 للاتصال بوفود الدول العربية والمشتغلين بالقضايا العربية ليوضح لهم التطورات الدستورية التي تمت في ليبيا وفقاً لقرار هيئة الأمم المتحدة ولرغبة الشعب وإجماعه وليحذرهم من سوء عاقبة الطريق الذي رسمته الدول العربية في الدورة الأخيرة لهيئة الأمم بالنسبة للقضية الليبية.
وقد وصل الوفد العاصمة المصرية وهو عالم ومقدر الصعوبات والعراقيل والظروف المعاكسة التي ستحيط به في بلد تصر حكومتها على مناوأة الجمعية ويعظم فيها نفوذ أمين الجامعة العربية وهو أكبر عائق في وجه أعمال الجمعية. وقد كان في استقبال الوفد بالمطار مندوب عن وزارة الخارجية وهيئة تحرير ليبيا ومحمد بك سلطان والطلبة الليبيين الذين يتلقون العلم في المعاهد المصرية. وقد دعا عبدالله باشا لملوم الوفد لتناول طعام العشاء على مائدته في نفس المساء. وفي صباح اليوم التالي ذهب الوفد وبصحبته عبدالله باشا لملوم إلى سراي عابدين حيث سجل الأعضاء أسماءهم في سجل التشريفات ثم توجه بعد ذلك إلى وزارة الخارجية المصرية حيث قابله وزير الخارجية معالي محمد صلاح الدين باشا. وعندما طلب الوفد من معاليه تعيين وقت للبحث طلب منه أن يبحث فوراً في المسألة الليبية فشرح له الوفد بإيجاز الطريقة التي قامت على أساسها الجمعية التأسيسية واشتراك كل من كامل سليم بك والسيد عبدالرحيم خان والسيد مصطفى ميزران والسيد بشير بك السعداوي في وضع أسس هذه الجمعية التي يطعنون اليوم في مشروعيتها. وقال الوزير إنه سيستمع وسيسمع فإذا كان خاطئاً رجع وإذا كان الوفد على خطأ فليرجع، ثم شرع يتحدث حديثاً عاطفياً عن نوايا مصر والدول العربية وعن الخطر الذي يتهدد البلاد من جراء قيام الاتحادية وفتح الطريق للنفوذ الأجنبي كما أشار إلى أن الجمعية بوضعها الحالي ستكون دوماً محل طعن وانتقاد لأن حقوق الأغلبية فيها مهضومة. وأضاف أنه من الغريب أن تطالب الدول العربية بالكمال لليبيا وبتحريرها بتاتاً من ربقة الاستعمار في حين يوجد من يود أن يتبع طريقاً لا يؤدي هذه الغاية. وهنا واجه أعضاء الوفد معاليه بالحجج وبالمنطق وشرحوا له أهداف الجمعية التأسيسية وقراراتها وعزمها على تشكيل حكومة مركزية تتركز فيها وزارة الخارجية والمعارف والدفاع والمواصلات والمالية وشئون القضاء وتشكيل مجلس نيابي نسبي ومجلس شيوخ بالتساوي وأن مسألة العلاقات الخارجية ستكون بيد وزير الخارجية بالحكومة المركزية وهذا لا يغير من صلاحياته في شيء سواء كانت الحكومة اتحادية أو موحدة لأن الإدارة المحلية لن تكون لها أية علاقة بالشئون الخارجية، ثم شرح لمعاليه أسباب المطالبة بالاتحادية ودواعيه.
وبعد أن أتم الوفد توضيحاته وقف وزير الخارجية وقال إن هذا القسم من أهدافكم كنت أجهله ومادامت هذه هي أهداف جمعيتكم فإني لا أعارض. وقد استغرقت المحادثة ساعة ونصف الساعة، ثم أجل البحث في مسألة عرض دستور الجمعية على المجلس النيابي المنتخب إلى جلسة أخرى، وتقاطر في نفس اليوم الصحافيون ومراسلو وكالات الأنباء فوضح لهم القضية توضيحاً تاماً. وفي يوم 23 زار الوفد سمير باشا الرفاعي وشرح له وجهة نظره فوعد أنه سيبذل جهده لنصرة وجهة نظر الوفد أما نوري باشا السعيد الذي قابله الوفد في نفس اليوم فقال: الله يعلم بكل شيء وغير خاف عليه شيء وأنه يشكو كل الشكوى من عزام باشا وتصرفاته وأغراضه، وقال سيروا في أعمالكم ولا تكترثوا ولا تترددوا فإن قضيتكم ناجحة بإذن الله. وفي 24 واصل الوفد مباحثاته مع وزير الخارجية المصرية وانصب أغلب البحث حول ضرورة عرض الدستور الذي تضعه الجمعية الوطنية على المجلس النيابي المنتخب وقد دافع الوفد عن وجهة نظر الجمعية بهذا الخصوص بحجج منطقية معقولة مشروعة فهي أن عرض الدستور على برلمان نسبي معناه إلغاء الاتفاق الذي اجتمعت على أساسه المناطق الثلاث للاتحاد ولوضع الدستور وقد بدأ الاقتناع على الوزير بيد أنه قال إن مصر ستحتفظ بوجهة نظرها في هذا الخصوص ريثما ترى سير الحوادث. ثم قابل الوفد رفعة النحاس باشا وقد رحب به ترحيباً حاراً وعندما بحث معه موضوع القضية الليبية وعد خيراً وقال إنه سيتحدث مع صلاح الدين بك في هذا الخصوص. وزار بعد ذلك الوفد عزام باشا لأول مرة ولم يبحث معه في شيء وإنما استمع إلى توكيداته عن نواياه الطيبة نحو ليبيا. وفي مساء نفس اليوم قابل الوفد رياض بك الصلح وشرح له الحال فما كان منه إلا أن أبدى استغراب تبدل بشير بك السعداوي، وقال إنه كان دائماً يحاول إقناعه بأن الفدرالية خير حل لقضية ليبيا ووعد أن يثير المسألة أمام اللجنة السياسية وأن نقاشاً حاداً طويلاً قد دار وأن بعض الوفود عارض تدخل الجامعة أو أية دولة عربية في مسائل ليبيا الداخلية، وتمسكت مصر بوجهة نظرها ثم انتهى البحث باتخاذ قرار مائع يفوض مصر في متابعة القضية الليبية لتنفيذ قرار هيئة الأمم المتحدة في الميعاد المحدد وذلك لأن مصر مشتركة في المجلس الدولي لليبيا. وهذا القرار ضد فكرة عزام باشا الذي لا يريد أن يتقيد بالميعاد ولا يرى مانعاً في مد الأجل المضروب لاستقلال البلاد ولكن عزام باشا أدلى بتصريحات للصحف تجافي حقيقة قرار اللجنة، فأرسل الوفد برقية احتجاج واستنكار إلى رؤساء الوفود العربية لاتخاذهم هذا القرار قبل الاجتماع بالوفد واستلام مذكرته، وفي نفس اليوم انتهى الوفد من وضع مذكرته وسلمها إلى أعضاء اللجنة السياسية في وقت اجتماعهم. وفي يوم 28 اجتمع الوفد بأعضاء اللجنة السياسية وقام بعرض وجهة نظره عرضاً وافياً وقد ناقشه كل من ناظم القدسي بك والأمير فيصل وصلاح الدين بك في بعض المسائل المتعلقة بالاتحادية وبالدستور، وقد رد عليهم رداً مقنعاً ودامت الجلسة ساعتين وبدا الإقناع على الجميع باستثناء صلاح الدين بك الذي تمسك بتحفظه وفي مساء أول فبراير دعا وزير الخارجية أعضاء الوفد إلى حفلة عشاء بوفود العرب وكانت فرصة سانحة اتصل فيها الوفد بكبار رجالات العرب أمثال السيد أمين الحسيني والأمير عبدالكريم ومحمد علي علوبه باشا وحسين حسن باشا وغيرهم، أما عزام باشا فقد دعا الوفد بداره مساء 2 فبراير وقد أخذ عزام باشا يستعرض تاريخه وأعماله في ليبيا ويقول إنه لم يقصر في مساعدة أي طرابلسي أو برقاوي وتأسف للحملات التي توجه إليه من ليبيا، واعترف بتصريحاته في إيطاليا وقال إنه من الخير كسب إيطاليا والفاتيكان لكي تكون الدول اللاتينية في صف العرب، ثم اعترف أنه أشار على الطرابلسيين عام 1940 بعدم الاشتراك في الجيش السنوسي لأنه كان مقتنعاً بأن المحور سيفوز، وقد دام النقاش حوالي أربع ساعات كان خلالها عزام يناقض أقواله ببعضها ولا يركز معارضة في منطقة معينة واحدة، وأخيراً قال إنه إذا رغب الوفد فهو سيعلن على الصحف أنه لن يتدخل بعد في قضية ليبيا.
أما في ميدان الصحافة فقد كان نشاط الوفد عظيماً شاملاً فقد وجد نفسه في أول الأمر أمام جبهة عدائية كونتها جميع الصحف المصرية ولكن استطاع بفضل الاتصالات والمناقشات ومحاولات الإقناع أن يجعل الصحف تقف موقف المحايد وتنشر وجهة نظر الوفد، وبالرغم من الأوامر المشددة للصحف كي يتجاهلوا الوفد ونشاطه فقد كانت جميع الصحف المصرية والأجنبية ووكالات الأنباء تتبع نشاط الوفد وكانت حافلة بأخباره ومحادثاته وتنقلاته وتصريحاته الأمر الذي جعل الرأي العام المصري يطلع على خفايا القضية الليبية ويدرك أن الحكومة المصرية وأمانة الجامعة لا تقصدان مصلحة ليبيا من موقفهما هذا. وقد بلغ الأمر بجريدة الجمهور المصري أن نشرت في عددها الصادر يوم 5 فبراير مقالاً عن تناقض سياسة مصر في ليبيا وعن إلحاحها في اشتراك الإيطاليين في البرلمان الليبي، وقد أمرت الحكومة بمصادرتها وإحالتها إلى النيابة. وخلاصة القول فإن جهود الوفد قد كللت بالنجاح التام وقد أفهم صراحة أن سير الجمعية التأسيسية لن يعرقل من قبل أحد وأن شئون ليبيا الداخلية من حق أهلها، ولكن مصر التي وقفت موقفاً معيناً في هيئة الأمم قبل شهرين لا يسعها اليوم أن تتراجع رسمياً عن موقفها وإنما هي تتحفظ بوجهة نظرها فقط، كما أن النجاح كان باهراً كبيراً في تحطيم ا لأسطورة التي نسجها عزام باشا حوله في كل ما يتعلق بليبيا فقد استطاع الشعب المصري والحكومة المصرية والوفود العربية أن يدركوا تماماً أن عزام باشا رجل مغرض بقضية ليبيا وأهلها وأن تدخله في القضية غير مرغوب فيه لأنه قائم على غايات خاصة وأغراض شخصية، أما بشير بك السعداوي فقد تضاءل نفوذه في مصر ولدى وفود العرب وقد حطمت الوثائق التي نشرت البقية الباقية إذ أنها كشفت النقاب عن أغراضه وعن مواقفه المتناقضة. هذا وقد زار الوفد سفير الباكستان وناظم القدسي بك وغيرهم من المهتمين بالقضية، وقد أكد له سفير الباكستان أنه لم يوافق إلا مرغماً على موقف مندوب الباكستان الأخير في المجلس الاستشاري وذلك لأن أعضاء هيئة تحرير ليبيا قابلوه وطلبوا منه باسم الشعب أن تقف الباكستان هذا الموقف ووعد أن يكتب إلى وزير الخارجية في هذا الخصوص كي يتحول مندوبهم في طرابلس عن موقفه هذا. وقد أصدر الوفد بياناً قبل مغادرته القاهرة يوجد في الكراسة الموزعة على حضرات الأعضاء كما زار قبل سفره سفارة الولايات المتحدة وفرنسا وإنجلترا والأمانة العامة للجامعة العربية وأرسل برقية شكر لجلالة الملك فاروق وأخرى لوزير الخارجية المصرية.
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى ليبيا للتنمية البشرية والسياسية Copyright 2010 Libyaforum.org